Saturday, October 26, 2019

لا تسألوا الله الصبر ولكن أسالوه العافية

لا تسألوا الله الصبر لأنكم تسالونه البلاء وأسالوا الله العافية

الحديث المذكور رواه الترمذي (3527) من طريق أَبِي الْوَرْدِ عَنْ اللَّجْلَاجِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : " سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ ، فَقَالَ : ( سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَلَاءَ فَسَلْهُ الْعَافِيَةَ ) .
وهو حديث ضعيف ، ذكره الألباني في "الضعيفة" (4520) وقال : " هذا إسناد فيه ضعف ؛ أبو الورد : هو ابن ثمامة بن حزن القشيري ؛ لم يوثقه أحد ، وقال الحافظ : "مقبول" يعني : عند المتابعة " انتهى .
قال القاري رحمه الله :
" محل هذا إنما هو قبل وقوع البلاء ، وأما بعده فلا مانع من سؤال الصبر بل يستحب ؛ لقوله تعالى : ( ربنا أفرغ علينا صبرا ) " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8 /324) .
وحاصل ذلك أن طلب الصبر إنما يكون بعد وقوع بلاء ، أو حصول مصيبة ، أو نحو ذلك مما يحتاج العبد فيه إلى الصبر ، فحينئذ يشرع له أن يسأل الله الصبر ، قال تعالى : ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ) البقرة/ 250، 251 .
وقال تعالى عن سحرة فرعون : ( قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ) الأعراف/ 125، 126 .
وأما في حال العافية : فالمناسب أن يسأل الله أن يتم عليه نعمته وعافيته وستره .
ثانيا : 
لا حرج ، إن شاء الله ، في أن يدعو الإنسان ربه بالصبر ، مقيدا بنزول البلاء إذا نزل ، أو حصول ما يستلزمه ، وهذا من طبيعة الإنسان في حياته : ألا يخلو من ابتلاء ، يحتاج معه إلى صبر ودعاء ، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) . 
رواه النسائي (1305) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " برقم (1301) . 
فقد دعا الله تعالى بأن يرزقه الرضا بعد القضاء ، ومن الواضح أنه إنما يعني : القضاء الذي يكرهه الإنسان ، وإلا فكل الناس يرضى بما يحبه ويلائمه ؛ ولا يلزم من ذلك أن يكون دعاء بحصول القضاء المكروه ، كما لم يلزم من الدعاء الآخر ـ في نفس الحديث ـ أن يكون دعاء بحصول الفقر ، أو الموت .
ثالثا : 
حال الولد سريع الغضب مما يناسبه الدعاء بالصبر ، فسريع الغضب يستفزه أيسر عارض ، ويجزع عند أول نازل ، ولا شك أنه أحوج الناس إلى الدعاء بسعة الصدر ، والصبر ، وقلة الجزع ، وحسن الخلق ؛ فليس هذا من الدعاء بالبلاء ، أو استعجاله ، وإنما هو دعاء بما هو أنفع الأدوية له مما ابتلي به .
وينظر للفائدة إجابة السؤال رقم (120175) .
والله أعلم .

0 comments: